تجارب ناجحة
د.المهدي: الأيتام ليسوا "أولاد شوارع"!
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]د. محمد مختار المهدي
دافع عن حقهم في الحياة الكريمة، وحمل على كاهله مسئولية الأيتام، إذ سعى بمصاحبة فريق من دعاة الخير إلى تأمين مستقبل من فقدوا آباءهم ويتحسسون مستقبلهم دون سند أو ولي أمر.
معنا د.محمد المختار المهدي -رئيس مجلس إدارة الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة بمصر- يتحدث عن أهمية رعاية الأيتام في المجتمع، ومكانة كفالة الأيتام في الإسلام، وسر نجاح الجمعية الشرعية، وحق اليتيم على المجتمع، لأن الأيتام إضافة استثمارية له، وليسوا عالة عليه:
*ما هو المنطلق الإسلامي في رعاية الأيتام؟
- هناك منطلقات إسلامية توجب كفالة الأيتام في المجتمع؛ حتى لا يوجد فقير ولا محتاج. وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم: "ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه" (صححه الألباني).
ويقول عز وجل في الإطعام مع الأبرار في صفتهم: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}. وجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليرفع قيمة الكفالة لكل يتيم؛ ويقول: "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة". وأشار بالسبابة والوسطى وفرق بينهما قليلا.
ولا تعني كفالة اليتيم الإطعام أو الإكرام فقط، وإنما تعني التربية والإنفاق؛ لأن الكافل يقوم مقام الأب المكلف بالتربية والنفقة. ويجب ألا ينظر لهم المجتمع على أنهم "أولاد الشوارع".
ومن هنا استجابت الجمعية الشرعية لفكرة كفالة اليتيم، لأن هؤلاء الأيتام إذا لم تتم العناية بهم ماديا وتربويا؛ فإن المردود على المجتمع سيكون خطيرا للغاية؛ إذ سيشعرون بالضياع وعدم عناية المجتمع بهم، فينقضون عليه ويكونون أداة تخريب وشيوع للبطالة.
*متى بدأت فكرة كفالة اليتيم داخل الجمعية الشرعية؟
- بدأت فكرة رعاية اليتم داخل الجمعية الشرعية منذ 21 عاما بالضبط؛ عندما عرضها علينا الدكتور رضا أحمد الطيب؛ والأمين العام للجمعية الشرعية حاليا. وقمنا بدراسة الموضوع مع فضيلة الشيخ عبد اللطيف مشتهري -رحمه الله- واستقر الرأي على بدء المشروع.
وتضع الجمعية الشرعية نصب أعينها أن العناية بالأيتام تضيف للمجتمع طاقة استثمارية من عقول الأيتام وأفكارهم وقوتهم وتعليمهم. ومن هنا كانت عناية الجمعية الشرعية بكفالة اليتيم، واستمر الأمر في تطور إلى أن صار مشروع كفالة اليتيم الآن متواجدا في جميع أنحاء مصر.
كفالة عينية
*وما هي طرق رعاية اليتيم التي تطبقها الجمعية؟
- هناك طرق كثيرة نتبعها في رعاية اليتيم؛ تبدأ بأن يدفع الكفلاء 20 جنيها شهريا لكل يتيم. وهذا المبلغ بالطبع لا يكفي، ولذلك هناك طريقة ثانية لاستكمال كفالة اليتيم، عن طريق لجان الجمعية في كل منطقة وحي وقرية؛ تقوم بالاتصال بأصحاب المحلات والمخابز وأصحاب المهن المختلفة، وتطلب منهم مساعدة اليتامى.
فتقوم كل لجنة بإرسال ممثلين عنها إلى المخابز المتواجدة في الحي، ويسألون أصحابها: كم رغيف من الخبز تعطوه لليتيم يوميا؟. فيحددون عددا من الأرغفة، وهكذا مع أصحاب المحلات، والمكاتب، والعيادات، والصيدليات.
فيأخذ اليتيم -بمقتضى كارنيه (بطاقة) خاص يحصل عليه من لجنة الجمعية الشريعة الموجودة في الحي الذي يسكن فيه- نصيبه من الخبز من المخابز، وهكذا في اللحوم والخضار، والأدوات المكتبية، والأدوية إن مرض، بحيث يشعر اليتيم أن كل احتياجاته جاءت عينية، بالإضافة إلى المبلغ الذي يحصل عليه من الجمعية.
كما اتبعنا في كفالة اليتيم طريقة أخرى، وهي تحويل أم اليتم من آخذة إلى معطية؛ عن طريق مشروع تشغيل أمهات اليتامى. ففي هذا المشروع نقوم بتعليم الأمهات الحياكة، ونوفر لها "مقص دار" يقوم بالتفصيل.
ثم يذهب أبناء الجمعية بعدد من "الجلابيب" إلى أمهات اليتامى اللاتي يقمن بالخياطة -وهن يراعين أولادهن في البيت- وفي نهاية اليوم يأتي إلى أم اليتيم مندوب من الجمعية ليتسلم ما انتهت منه الخياطة، ويعطي الأم عن كل جلباب تخيطه مقدارا ماليا محددا، وهو ما يوفر لها مبلغا ماليا قد يصل إلى أكثر من 300 جنيه شهريا بدلا من أن تأخذ أربعين جنيها معونة فقط.
ويؤدي مشروع تشغيل أمهات الأيتام إلى رفع معنوية اليتامى؛ إذ يشعرون بأنهم يعيشون كبقية أقرانهم من سعي ولي أمرهم؛ خاصة أن المقصود الأساسي من المشروع حصول أم اليتيم على أجر مقابل عمل بسيط. ووصل عدد الملابس التي تم إنجازها إلى ملايين، وتباع بسعر التكلفة.
كما يوجد في الجمعية مشروع "تيسير زواج الفتيات اليتيمات"، ونقوم من خلاله بتجهيز بيت الزوجية بقدر الضرورات.
احتياجات مختلفة للأيتام
*هل هناك شروط للأيتام الذين يدخلون قائمة مشروع رعاية اليتيم بالجمعية؟
- اليتامى ثلاثة أصناف: الأول، هم الذين لا مورد لهم سوى الجمعية الشرعية؛ وهؤلاء يتم تحديدهم بالبحث والتمحيص، ويشكلون الشريحة الأولى في رعاية اليتيم بالجمعية. والصنف الثاني، من لهم بعض الموارد ولكن لا تكفيهم. وهناك صنف ثالث وهم اليتامى الذين ورثوا من أبيهم، أو لهم معاش يكفيهم، ولكنهم بحاجة إلى التوجيه والتربية.
والصنفان الأولان يحصلان على نصيبهم من الزكاة؛ باعتبار أن الإسلام ربط الزكاة بالفقر وليس باليتم. أما اليتيم غير المحتاج فنعينه ماديا من صدقات التطوع كي نجره إلى المسجد، ويتربى خلقيا.
*كم عدد المستفيدين من مشروع كفالة اليتيم؟
- يبلغ عدد الأطفال الذين ترعاهم الجمعية حاليا حوالي 521 ألفا و679 يتيما، كما يبلغ عدد الأسر 243 ألفا و 93 أسرة، والجمعية الرئيسية تكفل وحدها 50 ألف يتيم، أما قوائم الانتظار ليس لها حصر دقيق، ولكن لا يتعدى العدد أكثر من 10 آلاف طفل ويتيم.
ومسألة قوائم الانتظار تنتج عن أن بعض فروع الجمعية لديها أطفال يتامى كثيرون تفوق إمكانياتها، وتحاول الجمعية أخذ مجموعة منهم. ويبقى أطفال في قائمة الانتظار لحين قدوم كفيل، ولكن يصرف لهم من المنح الموسمية.
تمويل كفالة اليتامى
*وكيف يتم تمويل مشاريع كفالة اليتيم بالجمعية؟ وهل هناك تبرعات يتم قبولها من خارج مصر أو من داخلها في هذا النشاط الخيري؟
- مشروع كفالة الأيتام مبني على دعوة، بمعنى أننا نحض المستطيعين أن يحصلوا على الثواب والأجر من خلال رعاية اليتامى، ويتوق الجميع لأن يكون مصاحبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة. ومن هنا نجد كثيرا من الناس؛ حتى من محدودي الدخل يريدون أن يسهموا في هذا العمل، ويكفلوا بعض الأيتام.
ونعطي الكافل اسم وعنوان اليتيم الذي يكفله، ومدرسته وكل بياناته، بحيث يجعل الكفيل من نفسه أبا حقيقيا لهذا الطفل، ويجعله كأحد أبنائه. ولكن دون أن يعرف اليتيم أن فلانا كفيله حتى لا يشعر بالذلة أمامه.
كما يوجد بداخل الجمعية حسابان لكفالة اليتيم، أولهما حساب خاص لأيتام بعينهم؛ حيث يأتي الكفيل، ويقول: خذوا مني كفالة لأحد الأيتام. فنأخذ منه المال، ونضعه في حساب خاص لصالح اليتيم، ولا تمتد يد إليه؛ كأنه أمانة لشخص معين نعطيها له كل شهر.
وهناك حساب آخر نسميه "الحساب الحر"؛ بمعنى أن يأتي لنا شخص، ويقول: هذه زكاة مالي ضعوها للأيتام، ولا يحدد يتيما معينا. فنكون موكلين في هذه الأموال لتوزيعها على اليتامى، ونعطي منهم المحتاجين، ثم الأقل احتياجا.
*إلى أي مدى تتعاون الجمعية الشرعية مع غيرها من المؤسسات العاملة في نشاط رعاية اليتيم؟
- نرفع شعار التعاون، فاسم الجمعية: الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية. ومن يرعى اليتيم هو يعمل بالكتاب والسنة، ونتعاون مع من يقوم بذلك، ونمد يدنا لكل من يريد التعاون معنا في مسألة كفالة الأيتام.
ومن الممكن أن يكون التعاون من خلال أن تحصل جمعيات رعاية الأيتام على قوائم اليتامى التي ترعاهم الجمعية الشرعية والعكس؛ للتنسيق وسد ثغرة اليتامى على مستوى مصر، خاصة أن هناك يتامى يحصلون على كفالة من أكثر من جمعية، في حين أن هناك أيتام لا يحصلون على شيء.
*وما خططكم المستقبلية داخل الجمعية لرعاية الأيتام؟
- نستهدف الوصول بأكبر عدد من الأيتام إلى أعلى الدرجات العلمية، لدرجة أننا إذا وجدنا استعدادا لدى اليتيم في قبول التعليم، واستمراره بصورة جيدة؛ فإننا نزيد من معونته ونتبناه إلى أن يتخرج في الجامعة.
ثم نبحث له عن عمل داخل أنشطة الجمعية، ونشجعه على دخول الدراسات العليا، وبالفعل هناك أيتام حصلوا على الدكتوراه، ونكرم كل عام المتميزين في الشهادات العامة، والذين وصلوا إلى أعلى الدرجات العلمية.
نقل