قسم الاول:جمع على كونه مفسدا للصوم ، وهو ثلاثة أمور الأكل والشرب والجماع ، في نهار رمضان من العامد المختار . دليل ذلك قوله تعال((
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ))[سورة البقرة /187 ] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( الصيام جنة ، فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم- مرتين- والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ، الصيام لي وأنا أجزي به ، والحسنة بعشر أمثالها )) رواه البخـاري وغيره من أهل السنن ، وفي لفظ للبخاري : (( يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي )) .
وقد أجمع المسلمون على أن هذه الأمور الثلاثة مفطرة للصائم مفسدة لصومه .
القسم الثاني من المفطرات: ما وقع فيه الخلاف بين العلماء هل يعد مفطرا أم لا ؟ وهذا القسم تحت أنواع:
منها: الحجامة ، والصحيح أنها تفطر الصائم ، فعن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أفطر الحاجم والمحجوم )) رواه أحمد والترمذي وغيرهما . وفي الباب عن ثوبان وشداد بن أوس وأبي هريرة وعائشة وأسامة بن زيد ومعقل بن سنان الأشجعي رضي الله عن الجميع . قال الإمام أحمد رحمه الله: أصح حديث في هذا الباب حديث ثوبان وشداد بن أوس ، وحسن أبو زرعة رحمه الله هذا الحديث من طريق أبي هريرة ، وقال الدارمي رحمه الله: صح عندي حديث (( أفطر الحاجم والمحجوم )) بحديث ثوبان وشداد بن أوس وأقول به . وقال الإمام أحمد : أحاديث (( أفطر الحاجم والمحجوم )) و (( لا نكاح إلا بولي )) يشد بعضها بعضا . وأنا أذهب إليها . وكلام أئمة الحديث في الاحتجاج بهذا الحديث كثير ، يصعب سرده هنا . وفي معنى الحجامة التبرع بالدم .
ومن المفطرات أيضا ما كان بمعنى الأكل والشرب مما يحصل به غذاء البدن ، كالإبر المغذية ، وكحقن الدم في جسم الصائم ، وكذلك أيضا الأدوية والعلاجات التي تؤخذ من الأنف أو الفم؛ لأنهما منفذان للجوف أما الفم فواضح ، وأما الأنف فدليله قول النبي صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة : ((وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما ))[سنن الترمذي الصوم (788)،سنن النسائي الطهارة (87)،سنن أبو داود الطهارة (142)،سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (407)،مسند أحمد بن حنبل (4/211)] .
ومن المفطرات أيضا: إنزال المني بشهوة ، بنحو استمناء أو تكرير نظر لما تقدم من عموم حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند البخاري : (( يترك طعامه وشرابه وشهوته )) . ولا يفطر بالاحتلام ولا بالإنزال الناتج عن التفكير ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (( إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم )) متفق عليه .
ومن تعاطى شيئا من المفطرات السابقة في نهار رمضان عامدا مختارا ، وجب عليه المبادرة إلى التوبة والتضرع إلى الله عز وجل لعله أن يعفو عنه ويغفر له تلك الزلة . ومع التوبة يجب عليه يوم مكان ذلك اليوم الذي أفطره .
والمجامع في نهار رمضان عامدا مختارا يجب عليه مع التوبة النصوح ، وقضاء يوم مكان كل يوم أفسده بالجماع ، كفارة عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ، والدليل على ذلك ما رواه الجماعة بألفاظ متقاربة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (( جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت يا رسول الله ، قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان . قال: هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا . قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا . قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا؟ قال: لا . قال: ثم جلس فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر . فقال: تصدق بهذا ، قال: فهل على أفقر مني؟ فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا . فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه . وقال: اذهب ، فأطعمه أهلك )).
ومن أخر قضاء يوم من رمضان حتى دخل عليه شهر رمضان الآخر ، وجب عليه مع القضاء ، كفارة للتأخير ، أفتى بذلك جمع من الصحابة كأبي هريرة وابن عباس وابن عمر رضي الله عن الجميع .
ومن تعاطى شيئا من المفطرات ناسيا أو جاهلا أو بغير اختياره فهو معذور ولا شيء عليه ؛ لقوله تعالى: (( رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ))[سورة البقرة /286] .
ولا يفطر الصائم بنحو قلع سن أو دواء جرح وإن وجد طعمه في الحلق ، ولا بخروج الدم من السعال أو الرعاف ، أو الناسور أو الباسور ، ولا يفطر أيضا بشم الطيب ، ولا البخور ، لكن ينبغي له التحرز من الاستعاط بالبخور واستنشاقه ؛ لأن له جرما ربما وصل إلى الجوف . ولا بأس باستعمال معاجين الأسنان ، ونحوها من المنظفات مع التحفظ عند استعمالها لئلا يتحلل شيء منها فيذهب إلى الجوف ، وترك ذلك في نهار رمضان أحوط للصائم ؛ لأن له نفوذا قويا .
ويشرع للصائم كغيره السواك أول النهار وآخره ؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة )) أخرجه الجماعة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . ولم يصح في النهي عنه للصائم حديث فيما نعلم .
وإن مما يجب على المسلم تركه في كل وقت- ويتأكد ذلك عليه في رمضان لحرمة الزمان- المحرمات بأنواعها ، فأعظم ذلك صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله ، كمن يذبح أو ينذر لغير الله من حجر أو شجر أو نبي أو ولي أو ملك ، أو يطلب منه المدد أو الغوث ، فإن ذلك كله من الشرك بالله يقول الله عز وجل: (( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ))[ سورة الجن / 18 ] وعاقبة الشرك وخيمة يقول الله: (( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ))[سورة النساء / 48 ] ويقول سبحانه: (( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ))[سورة المائدة /72] .
ومما يجب على العبد التنبه له في هذا الشهر أيضا أمر الصلاة فإن أمرها عظيم ، من حفظها وحافظ عليها حفظ دينه ، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع ، فالحذر الحذر من التساهل فيها أو أدائها في غير وقتها ، فإن هذا فعل أهل السوء يقول الله سبحانه: (( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ))[سورة مريم / 59] .
ومن المحرمات التي يجب التنبه لها: عقوق الوالدين ، والسحر ، وأكل مال اليتيم ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، والزنا ، والربا ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ، وشهادة الزور ، والكذب ، والخيانة ، وشرب الخمر ، وأكل أموال الناس بالباطل . ومنها: الغيبة والنميمة . وغير ذلك من المحرمات التي يجب على المسلم البعد عنها كل وقت ، ويتأكد عليه في هذا الشهر الكريم أن ينزه عنها صومه ، حتى يكون من الصائمين المحافظين على صيامهم .
ثم إن الصائم سواء كان رجلا أو امرأة ، قد يعرض له من العوارض ما يشرع معه الفطر في نهار رمضان . فمن الأعذار: المرض ، يقول الله عز وجل: (( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ))[سورة البقرة / 184 ] .
والمريض له أحوال:
أولها: أن يكون مرضه خفيفا عارضا ، لا يؤثر فيه الصوم ، لا بشدة في المرض ، ولا بتأخر في زمن البرء ، فمن كانت هذه حاله فإنه لا يباح له الفطر ، وهذا كمن يعرض له بعض الصداع في نهار صيامه ، ونحو ذلك .
ثانيها: أن يكون الصوم يؤثر على صحته إما باشتداد المرض ، أو بتأخر زمن البرء ، فهنا يستحب له الفطر .
ثالث الأحوال: أن يكون الصوم مضرا به ضررا بينا ، وقد يؤدي به إلى الهلكة ، فهنا يتأكد تأكدا كبيرا ، إبقاء على نفسه ودفعا للضرر عنها ، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (( لا ضرر ولا ضرار )) [سنن ابن ماجه الأحكام (2340) ، مسند أحمد بن حنبل (5/327). . والحديث : صححه الإمام أحمد والحاكم وغيرهما.] ، والله سبحانه وتعالى يقول: (( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ))[سورة البقرة / 286] . ويقول سبحانه: (( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ))[ سورة التغابن / 16 ] .
متابعة