صفات العلماء الذين يجب علينا أن نتلقَّى عنهم العلم... مهم جداً !!
[size=21]بسم الله الرحمن الرحيم
أنظروا عمَّن تأخذون دينكم!
بقلم : خباب بن مروان الحمد
[size=21]الحمد
لله الذي جعل في كلِّ زمان فترة من الرسل ، بقايا من أهل العلم يدعون من
ضلَّ إلى الهدى ، ويصبرون منهم على الأذى ، يحيون بكتاب الله الموتى ،
ويبصِّرون بنور الله أهل العمى ؛ فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه ، وكم من
ضال تائه قد هدوه ، فما أحسن أثرهم على الناس ، وأقبح أثر الناس عليهم .
ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين.
أمَّا بعد:
فإنَّ لأهل العلم منزلة عالية في دين الإسلام ، ودرجة رفيعة سامقة ، كيف
لا ... وهم الذين اجتباهم الله لحفظ دينه ، ونشر كلمته ، وقرنهم بشهادته
فقال شهد الله أنَّه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط)
ونفى المساواة بين من يعلم ومن لا يعلم فقال قل هل يستوي الذين يعلمون
والذين لا يعلمون) وأوضح أنَّ ألصق الصفات بأهل العلم ؛ خشيتهم لله تعالى
، فقال إنَّما يخشى الله من عباده العلماء) ومن خشية العلماء لربهم أنَّهم
لا يتكلمون إلا بالعلم والهدى ، ويخشون ربهم من فوقهم أن يتقوَّلوا عليه
بلا علم ، ويوقِّعوا عنه بجهل ، لأنَّهم وقَّافون عند حدود الله ونواهيه ،
إذ قال تعالى ولا تقفُ ما ليس لك به علم إنَّ السمع والبصر والفؤاد كلُّ
أولئك كان عنه مسؤولاً)الإسراء(6).
إلاَّ أنَّه وللأسف قد تقحَّم بوابة العلم ، وولج فيها مولجاً لا يستحقه ،
أناس ليس لهم في العلم الشرعي كبير إنعام حيث امتطوا صهوة العلم والتعليم
، فتراموا على شاشات الفضائيات ، وأوقعوا بأرجلهم على مهاد المنابر ،
وتكالبوا في الكتابة بالصحف والجرائد والمجلات ، إمعاناً منهم لتعليم
الناس ما يهمُّهم ، في شؤون الدين والدنيا ، وقسم آخر وهم كثيرون إذا
اجتمعوا في المجالس والنوادي ، وطرحت مسألة فقهية أو شرعية ، وجدت المختص
وغير المختص يخوض فيها ، ويتمنطق متحدثاً عنها ، مدَّعياً أنَّ لديه علمها
وحكمها ، على حدِّ ما ذكره الشيخ: محمد الغزالي رحمه الله قرأت كتاباً
لأحد المهندسين يفسِّر حقيقة الصلاة تفسيراً لم يعرفه المسلمون طوال أربعة
عشر قرناً ، فعجبت لهذا الحمق في خرق الإجماع ، وقلت: أما يجد هذا المخترع
مجالاً لذكائه في ميدان الهندسة ليتقدَّم فيه بدل أن يشغل نفسه ويشغلنا
معه بهذه التوافه) [ليس من الإسلام للشيخ: محمد الغزالي/56].
فترى كثيراً ممَّن على شاكلة هذا الشخص زاعمين أنَّهم مثقفون ومطَّلعون
يطلقون لأنفسهم باب الاجتهاد في التحدث عنها بآرائهم ، والغريب أنَّ ذلك
يحصل في كثير من المجالس وخصوصاً مجالس كثير من العوام أو غير المتخصصين
في العلم الشرعي ممَّن تخصصوا في العلوم التجريبيَّة أو الطبيعيَّة أو
غيرها ، وكانوا بعيدين بُعد المشرقين عن البحث والاطِّلاع في أصول الشريعة
ومحكماتها، فتجد كثيراً منهم يلتُّ ويعجن في المسألة التي قد تكون مشكلة ،
ولو عرضت على عمر رضي الله عنه لجمع لها أهل بدر ليتباحثوا فيها ، ويعطوا
الحكم الشرعي المناسب لها المبني على الكتاب والسنة! وإن طرحت على أهل
العلم أعطوها حقَّها من البحث والتفكير ، ورحم الله زمناً جاء فيه أنَّ
الإمام مالك قال إني لأفكر في مسألة منذ بضع عشرة سنة ، فما اتَّفق لي
فيها رأي إلى الآن) وقال ربما وردت علي المسألة فأفكر فيها ليالي)[ترتيب
المدارك1/178].
وإنَّ العجب ليأخذني كلَّ مأخذ ، حين أرى هؤلاء المتقحِّمين باب العلم حين
تُعرض أي مسألة من متعلقات الشريعة ، فيتحدثون عنها ، ولم يكلِّفوا أنفسهم
البحث عن حكمها ودلائل حلِّها أو حرمتها، بل تجد المبادرة والمسارعة
للإفتاء وإبداء الرأي بحجَّة أنَّها وجهة نظرهم ، ولا يعني أن تكون وجهة
النظر صحيحة ، وكأنَّ علم الشريعة علم يُتناول على مائدة الحوار والكل
يبدي رأيه متوقعاً ومخمِّناً أنَّ ذلك هو الحكم الشرعي! مع أنَّ هؤلاء
العوام أو من يتسمَّون بالمثقفين أمثال (صاحبنا) لو أنَّ رجلاً غير متخصص
في الفن الذي هو من اختصاصهم وتكلم فيه زاعماً أنَّ رأيه صواب ، وأنَّ ما
يقوله لا يلزم أن يكون صحيحاً ؛ لنظروا إليه نظر شزر ، وقرَّعوه بشديد
الخطاب ، لأنَّه تكلم فيما لا يحسنه ،ومن يتكلم بما لا يحسن يأتي
بالعجائب! وَصَدَقُوا ...ولكن لِمَ لا تمرَّر هذه القاعدة والمنهجية عليهم
كذلك ؟ أمَّ أنَّ علم الشريعة متاح لكل أحد أن يكون مجتهداً فيه ، وغيره
من العلوم لا يتحدَّث فيه إلاَّ من تخصص به وثنى ركبته في نيله عند أهله؟!.
وقد لاحظ تلك المشكلة الإمام ابن رجب رحمه الله واشتكى منها قائلاً يالله
العجب ! لو ادَّعى معرفة صناعة من صنائع الدنيا ، ولم يعرفه الناس بها ،
ولا شاهدوا عنده آلاتها لكذَّبوه في دعواه ، ولم يأمنوه على أموالهم ، ولم
يمكِّنوه أن يعمل فيها ما يدَّعيه من تلك الصناعة ، فكيف بمن يدَّعي معرفة
أمر الرسول وما شوهد قط يكتب علم الرسول ، ولا يجالس أهله ولا يدارسه)
[الحكم الجديرة بالإذاعة].
* أقوال علماء الإسلام في النهي عن التكلم بلا علم:
وقد تواترت كتابات العلماء في التحذير من التكلم بلا علم والإفتاء بالجهل
،ومنهم الإمام الشافعي فقد قال رحمه الله فالواجب على العالمين أن لا
يقولوا إلاَّ من حيث علموا ، وقد تكلَّم في العلم من لو أمسك عن بعض ما
تكلَّم فيه منه لكان الإمساك أوْلى به وأقرب من السلامة له إن شاء
الله)[الرسالة/41] وقال الإمام ابن حزم لا آفة على العلوم وأهلها أضر من
الدخلاء فيها وهم من غير أهلها ، فإنَّهم يجهلون ويظنُّون أنَّهم يعلمون ،
ويفسدون ويقدرون أنهم يصلحون) [مداواة النفوس/67] وقال شيخ الإسلام ابن
تيميَّة رحمه الله ولا يحل لأحد أن يتكلَّم في الدين بلا علم ولا يعين من
تكلَّم في الدين بلا علم ، أو أدخل في الدين ما ليس منه) [مجموع
الفتاوى/4] وقال كذلك فمن تكلَّم بجهل وبما يخالف الأئمة ، فإنَّه ينهى عن
ذلك ويؤدَّب على الإصرار ، كما يُفعل بأمثاله من الجهال ، ولا يقتدى في
خلاف الشريعة بأحد من أئمَّة الضلالة، وإن كان مشهوراً عنه العلم ، كما
قال بعض السلف: لا تنظر إلى عمل الفقيه ولكن سله يصدقك)[مجموع الفتاوى/7]
وقال كذلك ومن تكلم في الدين بلا علم كان كاذباً وإن كان لايتعمد الكذب
كما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم لما قالت له سبيعة
الأسلمية وقد توفي عنها زوجها سعد بن خولة في حجة الوداع فكانت حاملاً
فوضعت بعد موت زوجها بليال قلائل فقال لها أبو السنابل بن بعكك: ما أنت
بناكحة حتى يمضي عليك آخر الأجلين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم كذب
أبو السنابل ، بل حللت فانكحي)[مجموع الفتاوى1/449].
* من يملك حقّ التكلُّم بالعلم:
ممَّا يهمُّ المسلم المعاصر لهذا الزمن ، أن تكون له بيِّنة لصفات من
يؤخذُ عنهم العلم ، ومعرفة جليَّة لسمات أهله وأصحابه ؛ لئلاَّ يختلط عليه
الحق بالباطل ، والصواب بالخطأ ، وليعبد الله على بصيرة وبيِّنة، خصوصاً
أنّ أحاديث صريحة أتت عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في التحذير ممن
يتقمصون مسوح العلم وينطقون به ، ومن أئمة الضلال الذين يحكمون بالجور
والجهل ، ومن ذلك أنَّه عليه الصلاة والسلام قال سيأتي على الناس سنوات
خدَّاعات يُصَدَّقُ فيها الكاذب ، ويُكَذَّبُ فيها الصادق ، ويؤتمن فيها
الخائن ، ويخوَّن فيها المؤتمن ، وينطق الرويبضة . قيل: وما الرويبضة؟قال:
الرجل التافه ، يتكلم في أمر العامَّة) أخرجه ابن ماجه(44) وأحمد في
المسند[/91]بسند حسن ، وانظر السلسلة الصحيحة للألباني(1887) وثبت عند
أحمد من حديث أبي الدرداء أنَّ النبي صلى الله عليه وسلَّم قال إنَّ أخوف
ما أخاف عليكم الأئمة المضلون) [المسند6/441] وحدَّث عبدالله بن عمرو بن
العاص رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال إنَّ
الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ، ولكن يقبض العلم بقبض
العلماء حتَّى إذا لم يُبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهَّالاً فسئلوا
فأفتوا بغير علم فضلُّوا وأضلُّوا) [أخرجه البخاري1/174،175 في كتاب العلم
، ومسلم واللفظ له4/58].
لأجل هذا يتحتَّم على مبتغي طريق الحق ، ومريد طوق النجاة وسبيل الفلاح أن
يعرف صفات من يأخذ عنهم العلم ، لئلا يضيع الطريق الشرعي ، ويضل السبيل ،
وسأذكرها في عدَّة نقاط: *صفات من يؤخذ عنهم العلم:
1 خشية الله تعالى:
وهي صفة لصيقة بأهل العلم الراسخين الربَّانيين ، الذين يخشون ربهم ،
ويراقبونه في ما دقَّ وكبر ، جليلاً كان أو حقيراً ، فخشية ربَّهم ملازمة
لهم ، لا يحيدون عنها ولا يتحايلون عليها ، بل هم لله وبالله وعلى الله
يفضون له جميع أمورهم ، ويتعلقون بحبال الرجاء والخشية منه ، ولهذا كان
يقول جمع من أهل العلم كابن مسعود رضي الله عنه وغيره: (كفى بخشية الله
علماً ، وكفى بالاغترار به جهلاً) وحين نادى أحدهم الإمام الشعبي قائلاً
له: يا عالم؟ فقال الشعبي إنَّما العالم من يخشى الله) وكان طلاب العلم لا
يتلقون العلم إلاَّ عمَّن عرف بالخشية والخشوع ؛ فقد قال النخعي رحمه الله
كان الرجل إذا أراد أن يأخذ عن الرجل نظر في صلاته وفي حاله وفي سمته ،
ثمَّ يأخذ عنه).
تلقي العلم عن الراسخين في العلم:
وذلك لئلاَّ تكون له منهجية مبعثرة في قواعد الترجيح ، ودلائل الاستنباط ،
وأن يكون تلقيه من أفواه العلماء وشفاههم ، فيكون متقناً للأحكام ، ولهذا
كان السلف الصالح كالإمام الشافعي يقول من تفقه من بطون الكتب ضيَّع
الأحكام) [تذكرة السامع والمتكلم/83]. فلا يعقل آيات الله ، ولا يفقه
أحكامها ويستنبط دلائلها إلا البارعون في العلم ؛ كما قال تعالى وما
يعقلها إلاَّ العالمون )العنكبوت(18) وكقوله تعالى وإذا جاءهم أمر من
الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردُّوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم
لعلمه الذين يستنبطونه منهم)النساء(83). فأهل العلم هم أوْلى الناس
باستنباط أحكام الدين وشرائعه.قال محمد بن سراقة البصري:حقيقة الفقه عندي:
الاستنباط . قال تعالى لعلمه الذين يستنبطونه منهم) [المنثور في
القواعد1/67 بواسطة: أصول الإفتاء والاجتهاد التطبيقي 1/68 لمحمد أحمد
الراشد].
لهذا حثَّنا الله تعالى على سؤالهم إن أشكل علينا أمر شرعي ، فقال تعالى
فاسألوا أهل الذكر إن كنت لا تعلمون) الأنبياء(7) أخرج الدارمي في سننه في
مقدمته عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ (( خُذُوا الْعِلْمَ قَبْلَ أَنْ يَذْهَبَ ))
قَالُوا: وَكَيْفَ يَذْهَبُ الْعِلْمُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَفِينَا
كِتَابُ اللَّهِ؟ قَالَ:فَغَضِبَ لَا يُغْضِبُهُ إلاَّ اللَّهُ ، ثُمَّ
قَالَ: (( ثَكِلَتْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ أَوَلَمْ تَكُنِ التَّوْرَاةُ
وَالْإِنْجِيلُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمْ
شَيْئًا؟! إِنَّ ذَهَابَ الْعِلْمِ أَنْ يَذْهَبَ حَمَلَتُهُ ، إِنَّ
ذَهَابَ الْعِلْمِ أَنْ يَذْهَبَ حَمَلَتُهُ )) .
قال الإمام الشوكاني رحمه الله إنَّ إنصاف الرجل لا يتمُّ حتَّى يأخذ كلَّ
فنٍّ عن أهله كائناً ما كان ؛ فإنَّه لو ذهب العالم الذي تأهَّل للاجتهاد
يأخذ مثلاً الحديث عن أهله ثمَّ يريد أن يأخذ ما يتعلَّق بتفسيره في اللغة
عنهم ، كان مخطئاً في أخذ المدلول اللغوي عنهم ، وهكذا المعنى الإعرابي
عنهم فإنَّه خطأ)ثمَّ يؤكِّد الإمام الشوكاني هذه المنهجيَّة المتَّزنة
بقوله فالعالم إذا ظفر بالحق من أبوابه ، ودخل إلى الإنصاف بأقوى أسبابه ،
وأمَّا إذا أخذ العلم عن غير أهله، ورجَّح ما يجده من الكلام لأهل العلم
في فنون ليسوا من أهلها ، فإنَّه يخبط ويخلط ، ويأتي من الأقوال
والترجيحات بما هو في أبعد درجات الإتقان وهو حقيق بذاك)ا.ه [أدب الطلب
ومنتهى الأرب/76] .
وكم من مدَّعٍ للعلم ، متعالم مع جهل ، ينظر لنفسه نظر الكبر والغرور ،
فيظنُّ أنَّ جمع العلم يكون من قراءته للكتب فحسب ، فلا حاجة ليقرأ العلم
على أهله ، ولا ليثني ركبه عند أهل العلم ، تلقياً منهم ومذاكرة معهم ،
ومراجعة عليهم ، ليعلو كعبه في العلم ، ويعلم أنَّه [من البليَّة تشيُّخ
الصحيفة]وقد كان أهل العلم ينهون عن نيل العلم من الكتب فحسب ، بل لابد من
مقارنة ذلك بالحضور عند أهل العلم ، والتلقي من الأشياخ ، ليقوى باع
الطالب في العلم ، ويشتد عوده في الفهم ، ويصلب مراسه لمعالجة مشكلات
الكتب وما يكتنفها من مسائل غامضة.
قال كمال الدين الشمني: من يأخذ العلم عن شيخ مشافهةً يكن من الزيف
والتصحيف في حرمِ ومن يكن آخذاً للعلم من صحف فعلمه عند أهل العلم كالعدم
قال الأوزاعي : كان هذا العلم شيئاً شريفاً ؛ إذ كان من أفواه الرجال
يتلاقونه ويتذاكرونه ، فلما صار في الكتب ذهب نوره وصار إلى غير أهله.
وحين يتأمل المرء في بعض الكتب الصادرة ، وما يجد فيها من فهم خاطئ لبعض
نصوص الكتاب والسنَّة ، وأقوال أهل العلم ، يتيقن بأنَّ الخطأ ليس في
صياغة الشيخ في كتابه بدلالاته اللغوية ، ومعانيه الكلاميَّة ، وإنَّما من
الفهم القاصر لقارئ الكتاب ، ممَّا يجعله ينزلق في الفهم القاصر ، كما قال
ابن القيم ما أكثر ما ينقل الناس المذاهب الباطلة عن العلماء بالأفهام
القاصرة) [مدارج السالكين/431].
وصدق من قال:
وكم من عائب قولاً صحيحاً ......... وآفته من الفهم السقيم
ولا عجبَ أن ترى كثيراً من المسائل التي وقعت بها أخطاء علميَّة ، أدَّت
فيما بعد لأن تكون أقوالاً تنسب لبعض المنتسبين للعلم ، لتكون خلافاً يحكى
أمد الدهر ، وذلك لقلَّة الفهم ، وضعف العلم ، ولو سكت هؤلاء القوم ولم
ينطقوا لكان ذلك بهم أحرى وأوْلى من أن يتكالبوا على التدريس والتعليم ،
وبضاعتهم في العلم مزجاة ، وممَّا يحسن إيراده في هذا المقام ما قاله
كلثوم العتابي حيث قال لو سكت من لا يعلم لسقط الاختلاف ) معجم
الأدباء(5/19) وقال أبوحامد الغزالي لو سكت من لا يعرف قلَّ الاختلاف ،
ومن قصر باعه وضاق نظره عن كلام علماء الأمَّة والاطِّلاع عليه فماله
وللتكلُّم فيما لا يدريه ، والدخول فيما لا يعنيه ، وحق مثل هذا أن يلزم
السكوت) [الحاوي للفتاوى/116].
ولهذا كان أهل العلم رحمهم الله جميعاً إذا سئلوا عن مسألة ولم يعرفوا لها
جواباً قالوا : الله أعلم ، ولم يفذلكوا أو يكذلكوا ، بل كانوا متَّسمين
بالوضوح تجاه مستفتيهم ، إن علموا حكم المسألة قالوا بها ، وإن جهلوها
قالوا لا نعرفها ، بل كانوا لا يجزمون في فتاويهم في بعض الأحيان إن شعروا
أنَّ المسألة قد تحتمل أوجهاً متعدِّدة ، كما نقل عن الإمام مالك أنَّه في
بعض الأحيان إن أفتى قال إن نظنُّ إلاَّ ظنَّاً وما نحن بمستيقنين) [جامع
بيان العلم وفضله/146] وممَّا نقل عن بعض أهل العلم حين كانوا لا يعرفون
حكم المسألة أو يجهلونها ، ما نُقِلَ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه
أنَّه قال وابردها على الكبد إذا سئل أحدكم عمَّا لا يعلم ، أن يقول :
الله أعلم) [تعظيم الفتيا لابن الجوزي/81].
3 ألاَّ يكون من أصحاب تتبع الرخص ، ومن المتساهلين في فتاويهم وتعليمهم:
والحقيقة أنَّ أصحاب تتبُّع الرخص صاروا يستمرؤون هذه الخصلة وخاصَّة في
هذا الزمان ، بل صاروا يأتوننا بأسماء جديدة للفقه ، فطوراً يقولون: نحن